كيف وصلتنا الصلاة؟

بقلم دونا كيخوتا
Donna Quixota


كلما ناقشنا السنة النبوية وكونها وحي من عدمه خرج علينا من يشكك في كلامنا بسؤال معتاد: كيف وصلتنا اذا الصلاة لو لم تكن السنة وحي ومكملة للقرآن الكريم؟ ويزيدون: لو ان القرآن هو الوحي الوحيد والنبي لا يأتي بوحي خارج القرآن فهل "الف" مثلا طريقة الصلاة؟ وانا هنا في هذا المقال المختصر البسيط سوف اناقش هذه المسألة ولما لم تأتي الصلاة مفصلة بالطريقة التي ينتظرها مقدسي السنة النبوية الغير قادرين على التخلص من العيش في جلباب اسلافهم.


الصلاة والقرآن
فعليا الصلاة ليست مفصلة في القرآن الكريم بالطريقة التي ينشدها اهل السنة والجماعة ولكنها مسجلة بشكل عام في الكتاب. فمثلا في الآية رقم238 من سورة البقرة نجد:
حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ.
كذلك تجد في سورة الإسراء آية 78:
أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ۖ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا. 
كما تجد من مواعيد الصلاة ايضا في سورة هود آية 114:
وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ ۚ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ۚ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ.
واخيرا في سورة النور آية 58:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ۚ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ۚ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ ۚ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ ۚ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ.
وإن كانت الاخيرة في الحقيقة قد نزلت لتشريع الاستئذان.


اذا القرآن شرع الكثير من الامور المتعلقة بالصلاة مثل الاستئذان في الآية الاخيرة اعلاه، كذلك شرع وفصل الاغتسال في قوله تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ۚ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ۚ وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ۚ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَٰكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (المائدة 6)
بل ووضح اصول التعامل مع الصلاة وخاصة يوم الجمعة:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (الجمعة 9)،
وايضا شرع وحدد القبلة:
قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ۗ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (البقرة 144)،
واخيرا شرع صلاة القصر في قوله:
وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا (101 النساء).


اذا، لم شرع الله كل هذه الامور وفصلها في القرآن الكريم وسكت عن تفصيل الصلاة بشكلها المتعارف عليه؟ هل سكت عنها ليتركها للنبي ليفصلها لنا حتى نؤمن ان افعال النبي كلها وحي ولا تؤتى من الهوى ام انه سكت عنها لان القرآن ليس بالكتاب الهزل الذي سيفصل لمن آمن بالنبي محمد ما هو مفصل ومعروف لديهم؟
وهذا ما سأقوم بالرد عليه ولكن علينا اولا ان نعود الى فجر الضمير... الى ام الحضارات والاديان: مصر القديمة


الصلاة عند قدماء المصريين
كما هو معلوم للقاصي والداني ان الانسانية لم تكن لتعرف التحضر لولا الحضارة المصرية التي قدمت الضمير للبشرية حتى يومنا هذا، والضمير هو الدين ومصر هي هي ام الحضارات وام الاديان في العالم كله. تأثرت الاديان وخاصة الاديان التي نلقبها بالابراهيمية بفجر الضمير المصري حتى ان ما يقال عنه مزامير داوود هو في الحقيقة اشعار اخناتون اول موحد عرفه التاريخ البشري. كذلك تأثرت العقيدة المسيحية بالضمير المصري القديم فتجد مثلا عيد شمو (شم النسيم) قد اصبح في العقيدة المسيحية عيد القيامة، كذلك عقيدة التثليت تأثرت بعبادة المصريين للثالوث: اوزيريس، ايزيس، وابنهم الاله حورس. ولا يخفى ان الضمير المصري قد اثر ايضا في الدين الاسلامي كما اثر في الدين اليهودي حيث ان الاسلام واليهودية يتشابهان في الكثير من الامور فما الاسلام الا متمما للدين اليهودي.
معروف ان اليهود عاشوا بين المصريين القدامى وتأثروا بهم وبعاداتهم، ولكن قبل اليهود قيل لنا من الروايات الدينية ان ابا الاديان السماوية: ابراهيم عليه السلام، كان قد زار مصر مع زوجته سارة وعاش مع الفرعون المصري وبين المصريين لفترة من الزمن قبل ان ينزل ارض كنعان ويستقر بها. وقد تفاعل النبي ابراهيم مع الضمير المصري الذي كان يعبد الاله الواحد: آمون رع ورأى مناسك وصلاة المصريين لالههم الواحد رع، ولننظر معا لبعض الصور الفرعونية التي تنقل لنا طريقة صلاة المصريين:

إبراهيم
تلك هي الصلاة التي رأها آبرام او ابرهم وهو بين المصريين قبل ان يصبح نبيا ويصبح اسمه ابراهيم. ترك ابراهيم مصر ومعه زوجته سارة وكما تقول القصص والروايات اخذ معه زوجة مصرية ايضا ممن يصلون ويتعبدون بتلك الطريقة التي نراها اعلاه. اصطفى الله ابراهيم بعد ذلك ليكون ابو الانبياء وامره بالقنوت والخشوع لله فصلى ابراهيم واقفا وراكعا وساجدا خشوعا وقنوتا لله مثلما سبقه المصريين القدماء الى ذلك. واصبحت ملة ابراهيم حنيفا مسلما الى الله هي الملة التي ارتضاها الله له وارتضاها لذريته من بعده ولن ينال عهد الله الظالمين. فعلم ابراهيم الصلاة والخشوع لولديه الذي انعم الله بهما عليه: اسماعيل واسحاق، فتعلم بني اسرائيل صلاة ابيهم جدهم ابراهيم عن طريق ابوهم اسحاق وتعلم العرب صلاة جدهم ابراهيم عن طريق ابوهم اسماعيل.
اصبحت الصلاة الآن ابراهيمية ونسى الناس اصلها وانتشرت بين العرب واليهود وزاد العرب عليهم ان علمهم اباهم اسماعيل نقلا عن ابراهيم الطواف حول البيت العتيق لاعمار الارض الجدباء التي كان يعيش بها، ولا زال الى يومنا هذا يحج الملايين من المسلمين والعرب الى ارض ابوهم اسماعيل ويعمرونها كما اعتادوا من قديم الازل في منسك ديني نسميه : العمرة والحج.


اسحاق
تعلم اسحاق كما اسلفت الذكر الصلاة من ابوه ابراهيم وعلمها لابنه اسرائيل فتعلمها منه بنو اسرائيل
(وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون - البقرة 83).
ولازال هؤلاء القليلون من بني اسرائيل الى يومنا هذا يقيمون الصلاة على طريقة اباهم ابراهيم ويصلون خمس مرات في اليوم: الفجر، الظهر، العصر، المغرب، والعشاء. وصلاة الفجر والعشاء يطلقون عليها شماع يزرائل حيث تبدأ صلاتهم بالدعوة : اسمع يا اسرائيل.
ولنتعرف معا على صلاة تلك القلة القليلة من اليهود التي لا تزال تصلي على ملة ابيها ابراهيم حنفاء ولم يكونوا من المشركين. ولقد نقلت صورة لطريقة صلاة اليهود من كتاب:

To Pray As A Jew: A guide to the prayer book and the synagogue service by: Hayim Halevy Donin

من اليمين الى اليسار وقوف ركوع يليه...

الجلوس والسجود

ولمزيد من التأكيد والتوضيح انظروا هذا الفيديو لشاب يهودي يصلي صلاة ابيه ابراهيم:

وهذا فيديو اخر لصلاة جماعية يهودية:

اذا صلاة المصريين القدماء اصبحت صلاة ابراهيمية تعلمها عنه من ظل على ايمانه من بني اسرائيل وكذلك بنو اسماعيل الى يومنا هذا

اسماعيل
اسماعيل، مثل اخوه الاصغر اسحق، تعلم الصلاة من ابيه ابراهيم وزاد على اخوه ان بنى بيت الله مع ابوه وتعلم الطواف واعمار الارض الجدباء حتى تحولت في يومنا هذا الى اصغر بقعه في الارض يتجمع فيها اكبر عدد من البشر سنويا. ظلت صلاة اسماعيل وذريته ممن ظلوا حنفاء قانتين لله كما هي كما تعلموها عن ابوهم اسماعيل الا عبدة الاوثان منهم ما كانت صلاتهم عند البيت الا مكاء وتصدية (الانفال 35). ولكن ظل العرب الاحناف ومعهم عبد المطلب اولاده حماة الكعبة محتفظين بصلاتهم كما شاركهم فيها اولاد عمومتهم من يهود العرب.


النبي محمد
ولد محمد وتربي في بيت جده الحنيفي على ملة ابراهيم ولم يكن مشركا! كان يصلي ويحج مثل الكثير من الحنفاء ومعهم المشركين الذين تحولت صلاتهم لغير الله... ولهذا لم يفصل الله الصلاة في القرآن الذي اوحى به الى محمد لانها كانت معلومة وتصلى من ايام ابراهيم بل ومن ايام قدماء المصريين كما اوردت اعلاه! لم تكن الصلاة فقط هي الشيء المعروف عند العرب قبل بعثة النبي بل ايضا القبلة! فقد كان العرب الحنفاء قبل بعثة النبي وبعد بعثته عندما اسلموا يولون وجوههم نحو بيت المقدس ارض ابيهم ابراهيم وقبلته، ولم يعرفوا غيرها قبلة. وهي نفسها قبلة اليهود الى يومنا هذا التي ورثوها عن جدهم ابراهيم ايضا.
وهذا يفسر عدم ورود وحي في القرآن بالقبلة الاولى لانها في الحقيقة كانت معروفة (القبلة التي كنت عليها - البقرة 143) والله لن يوحي لعبده محمد ماهو معروف والا اصبح القرآن كتاب هزلي ركيك يعيد ما هو هو موجود وينتفي عنه صفة الابداع والوحي. ولما تأزم النبي من القبلة التي لا يعلم الا هي وخاصة مع ازدياد عداء اليهود له، هنا فقط اوحى له الله بنص قرآني قاطع ان يغير القبلة ويولي وجه شطر المسجد الحرام لا المسجد الاقصى! يعني انظروا كيف هي العملية دقيقة ومنظمة وغير اعتباطية او عشوائية! الوحي لا يأتي الا بالجديد ولا يفصل المعروف المفصل مسبقا، لما اوحى الله لعبده ان يغير القبلة وجدنا نصا قرآنيا فعليا يقول:
قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره(البقرة 144).
الصلاة مثل قبلة البيت المقدس كانت معروفة عند العرب واليهود من زمن ابراهيم الذي عرفها من زمن المصريين القدماء، ولهذا لم تفصل في القرآن لان القرآن كتاب غني عن الهزو والجدل العشوائي. لو اراد الله تغيير شيئا او تأكيد شيئا في الصلاة لأنزل بها نصا قرآنيا كما قال مثلا "حافظوا على الصلاة الوسطى". كذلك لما اراد الله ان يطهر العرب قبل صلاتهم أنزل نصا قرآنيا بتفصيل عملية الوضوء، بل وايضا صلاة القصر واولية الصلاة على البيع عند سماع الأذان، كل هذا جاء تأكيده وتفصيله في القرآن لأنه كان جديدا على العرب.


وفي النهاية، ما سكت عنه الله في كتابه لم يكن ليتركه لرسوله ليفصله من نفسه بل سكت عنه لانه اما غير مهم لمقام الله او معلوم مسبقا بتفصيله، فيكتفي ان اراد جل وعلا بأن يؤكد على فعل هذا الشيء كما هو واضح من القرآن من حيث كثرة التذكير بالصلاة بدون تفصيلها.
لقد اوردت صور لصلاة الفراعنة وصور وتسجيلات لصلاة اليهود والتي كلها تدل على ان الصلاة قديمة قدم الحضارة البشرية.