الأربعاء، 19 مايو 2010

بنوكهم المتأسلمه

أكتب هذه المقاله بعد نقاش دار فى عملى حول البنوك و رغم اختلاط الحوار بالكثير من الكلام الغير علمى و الثقافه السطحيه التى تميز بها المحاورون علاوه على عدم علمهم اصلا بمفردات التمويل المتاسلم و المراوغه المستمره بان بنوك مثل فيصل و البركه ليسوا باسلاميين لكننا نعمل على توضيح بانه لايوجد شيئا اسمه بنوك اسلاميه و اليكم المقال


المصارف " البنوك " تعتبر من أساسيات اى نظام اقتصادى " رأس ماليا كان ام شيوعيا " و هى مؤسسات ماليه تجمع مدخرات الافراد و الوحدات الاقتصاديه ذات الفائض فى شكل أوعيه ادخاريه كالحساب الجارى او التوفير لتوجهها عن طريق الاقراض للافراد و الوحدات الاقتصاديه ذات العجز كقروض استهلاكية لشراء سياره مثلا او قروض انتاجيه لتمويل انشاء مشروعات جديده او تمويل توسعاتها و من أشهر انواع البنوك التى تقوم بهذه العمليه هى البنوك التجاريه و تكتسب البنوك التجاريه ارباحها من الفرق بين الفائده التى تصدرها للمودع و التى تحصلها من المقترض منها ، و مع بدايه سبعنيات القرن الماضى بدئب مفردات كالاقتصاد الاسلامى و التمويل الاسلامى تتداول و بدء مروجوا هذة المفاهيم و المنصرون لتلك الرؤيه فى نعت البنوك التجاريه بالربويه و حذرت المودعيين من حرب من الله بسبب التعامل بها !! و بدئوا بطرح بدائلهم سواء بالنسبه لاوعيتهم الادخاريه للجمهور أو عقود التمويل لعملائهم.

بدايه البنوك الاسلاميه

أول محاوله ظهرت الى الوجود كان بتاسيس البنك الاسلامى للتنمية عام 1975 و فى نفس العام ظهر بنك دبى الاسلامى و فى عام 1977 تـاسست 3 مصارف " اسلامية " كبيرة :

1- بنك فيصل الاسلامى فى السودان
2- بنك فيصل الاسلامى فى القاهرة
3- بنك التمويل الكويتى

و توالت البنوك الاسلاميه فى الانتشار منذ ذالك الحين و قامت بعض البنوك التجاريه بفتح نوافذ للمعاملات "الاسلاميه".

و قبل استعراض العقود التى تتعامل معها بها البنوك " الاسلاميه " لعملائها و بيان عدم وجود فرق فى جوهرها عن البنوك التجاريه أحب أن أوضح التالى :

سيتم طرح مفاهيم عقود التمويل دون التطرق لايه من المشاكل الفنية فى تنفيذها و مراقبتها أو التناقضات الفقهيه المضحكه المبكية التى تعج بها تللك المؤسسات أو المخالفات الاخلاقية التى تورطت فيها بعض القيادات و لا سيما من اعضاء اللجنه الشرعيه فى البنوك " الاسلاميه" بل سيتم تناول العقود فى حاله مثاليه.

تستثمر البنوك ودائها عن طريق ثلاثة طرق رئيسيه :

1- تمويل المستثمر مباشره و يندرج تحتها نوعين من العقود :

أ‌- الشركه :
يشترك البنك مع أحد عملائه فى مشروع معين لكل منهما جزء ثابت من راس المال و يتقسما عائد هذه الصفقه بحسب راس مال كل منهما بعد خصم حصه القائم بالاداره.

ب‌- المضاربه :
و هى غير المضاربه المعلومة لنا جميعا و هى قيام شخص بشراء سلعه حتى يرتفع سعرها ليقوم باعادة بيعها مره اخرى مع تحقيق ربح لالا فالتمويل " الاسلامى" له بعض المصطلاحات الخاصه به و هو عقد بين طرفيين أحدهما يملك المال و لا يملك الخبره و هو البنك و يسمى ( رب المال ) و اخر يمللك الخبرة التفصيليه فى مجال من المجالات و لكن لا يمللك التمويل الكافى و يسمى ( مضارب ) و يتفق رب المال مع المضارب على ان يعطيه التمويل اللزم للاستثمار و الربح يقسم بينهما بنسبه معلومه من الربح و الخساره يتحملها رب المال بخسارة ماله و المضارب بخساره جهده.

و نظرا لان القاعده الاساسيه فى العقودالمذكوره هى الغنم بالغرم و يتحملان نسبه أكبر من المخاطره لاحتمال الخساره و ضياع اموال البنك و قد تشكل تحديا لمستقبل البنك لذلك تحدد البنوك الاسلاميه نسبة معينة من مواردها لاتتجاوزها فى هذا النوع من الاستثمار و فى بعض البنوك يقتصر على اموال المساهمين دون المودعيين لحمايه العملاء من المخاطر غير المامونة و هذا على غرار ما تقوم به البنوك التجاريه من تنظيم شرائها لاسهم شركات بنسبه محددة من رأس مالها.


2- البيوع :
تعرف عقود البيوع على أنها شراء السلع و بيعها للعملاء على اساس البيع الاجل اى بتقسيط ثمن المبيع على اجل يتفق عليها البنك مع العميل طالب الشراء و يندرج تحتها تللك العقود:

أ‌- بيع المرابحه و هى من أهم اشكال البيوع حيث يقوم العميل بالاتفاق مع البنك بتوفير سلعه معينة و بيقوم البنك بتوضيح الكلفه الحقيقيه للسلعه و يضيف عليها البنك مبلغا متفق عليه مع العميل و هى التى تمثل ربح البنك.

و هذا العقد من البيوع منتشر فى شراء السيارات و الشقق و الاجهزة الكهربائيه غاليه الثمن و لنأخذ هذا المثال للتوضيح

شخص ذهب الى بنك " اسلامى " لتوفير له تمويل لشراء سياره لن يقرض البنك العميل قرضا لكنه سيتفق معه على نوع السيارة و مواصفتها " الالوان و سى سى ) و المدة الزمنية التى سيتم تسديد خلالها ثمن السياره و الضمانات ثم يقوم البنك بشراء السياره للعميل و يقوم العميل بدفع ثمنها المتمثل فى اصل المبلغ + الربح الذى يحدده البنك بالاتفاق مع العميل.

فبالرغم ان شكل التمويل يختلف متمثلا بان البنك لا يمنح العميل قرضا الا انه يقوم بتقسيط السلعه على العميل على فتره مححدة سلفا تتضمن اصل ثمن السلعه + ربح البنك ( الفائدة ) فما الفرق بين هذا الاسلوب فى التمويل و التمويل المتبع فى البنوك التجاريه ؟ يفيدوك بان هذا عقد بيع سلعه بالتقسيط و ليس قرضا جر نفع فيكون ربا ؟!!

و للعلم بان عقود المرابحه من اسرع العقود انتشارا و ذللك لقله مخاطرها و ضمان العائد للبنك.

ب‌- الاستصناع :

عقد الاستصناع يتطابق مع عقد بيوع المراحه بنسبه 100 فى المائه لكن الاختلاف هو فى مجال عمله حيث ان عقد المرابحه يوازى القروض الاستهلاكيه فى البنوك التجاريه أما عقود الاستصناع فهى اسبه بالقروض الانتاجيه التى توجه للقطاع الصناعى بالاساس.

ج- بيع السلم:

أيضا تتطابق فى جوهرها مع عقد المرابحه و الاستصناع لكن مجال عملها يكون فى الزراعه و اليتها مختلفه.
مزارع يحتاج لسيوله أنيه لسد بعض حاجاته فيتوجه للبنك الاسلامى فلا يقرضه بل يتفق معه على ان يبيع له محصوله او جزء منه مستقبلا مقابل ان يقبض نقدا و عادتا يكون سعر المحصول المباع أجلا اقل من سعر السوق و بعد ذلك يقوم البنك ببيع هذا المحصول لاخر مقابل ربح. و هذا النوع من العقود تعاملاتة نادرة جدا و كثير من البنوك لاتتعامل به حيث لا تتوفر للبنك مخازن مجهزة لتخزين المحصول و لا يمتللك البنك الخبرة الكافيه لتصريفه و لا يمتللك المعرفه الفنية بمواصفاته الا اذا انشاء شركه خاصه بهذا الغرض و هو ما قد أوضحناه فى النوع الاول من طرق الاستثمار و أوضحنا أنه مقيد و تتحاشاه البنوك " الاسلاميه".

3- الاجارات :

أ‌- تعنى بيع خدمه ما للانتفاع بها مقابل قيام عملائها بسداد قيمتها بالكامل او على دفعات و فى الواقع يقوم البنك " الاسلامى " بشراء حق الانتفاع من مصدريها مثل وكالات السياحة و الجامعات و شركات الطيران مقايل قيمه محددة نقدا ثم يبيعها لعملائه بعقود اجارة مقابل اجرة ( و هنا يكون البنك وسيطا ) او بالتقسيط مع تحقيق هامش ربح ( يعنى بدل اعطاء قرض و اضافه فائدة يقوم بالبيع بالتقسيط بفائدة !! )

و طبعا ما قراناه لا يختلف عن برامج القروض الممنوحه من البنوك التجاريه فى جوهرة و ان اختلف فى شكله.

و لا ننسى الاداة المستحدثه فى البنوك " الاسلاميه " و هى الكارت الائتمانى الاسلامى فما مضمونها ؟؟

يقوم البنك بمنح العميل كارت ب 5 الاف جنيها مشتريات ( لا يسمح بالسحب النقدى ) و يقوم بعد ذللك باحتساب نسبه فائدة معينه كل شهر على المبلغ الذى تم به المشتريات و الفرق بين كارت الائتمان الذى تصدره البنوك " الاسلاميه " و بين ان يقوم شخص بالاقتراض مقابل فائده من البنك يقولون ان النوع الثانى ربا اما الاول فهو تقسيط سلعه لان اذا دخلت السلعه تنتفى الربا ؟!!!

استنتاجا مما سبق يتضح التالى :

1-كل العقود الانف ذكرها ليست من أختراع رواد التمويل " الاسلامى " بل كتب الفقه زاخرة بها و بشروطها و كل ما قامو به رواد التمويل " الاسلامى " هو تغيير بعض المسميات و توسيع مجالات عملها.

2-ما يسمى بالبنوك " الاسلاميه " هى الاداه الاقتصاديه للاسلام السياسى و جوهر عملها لا يختلف عن البنوك التقليديه فالتمويل لا يصنف على اساس الدين فلا نقول تمويل بوذى و أخر مجوسى بل هو علم له أساسياته صنعه البشر.

3-العقود السابق ذكرها لا تشكل نسبه مئويه متساويه فى المحفظة الاستثماريه للبنوك " الاسلاميه " بل النسبه الاكبر من المحفظة توجه للعقود منخفضه المخاطر مثل المرابحه و اجارة الخدمات و يقتصر التنويع على المجال أما الشركة و المضاربه فتقل نسبتها عن عشرون بالمائه من استثماراتة لان أى بنك – تجارى أو اسلامى – يتاجر لا بامواله بل باموال المودعيين فيقوم بتقليص المخاطر الى أدنى حد.

4- البنوك " الاسلاميه " تتبع نفس معايير البنوك التجاريه فى تحديد الجداره الائتمانيه للعميل و تشطرت ضمانات لضمان حقها مثلما تشطرت البنوك التجاريه.

للمزيد

www.barakaonline.com موقع بنك البركه


www.faisalbank.com.eg موقع بنك فيصل الاسلامى
كتاب البنوك الاسلاميه ابو المجد حرك

السبت، 15 مايو 2010

الناسخ والمنسوخ

من أهم القضايا الفقهية في الإسلام قضية الناسخ والمنسوخ ‫، لأن القول بالنسخ في القرأن من عدمه يغير معاني القرأن تغييراً مباشراً ‫، وذلك قطعاً فيه ما فيه من الإشكالات.‫ ولمن لا يعرف ‫، النسخ هو الإلغاء ‫، أي أن بعض أيات القرأن تَنْسَخْ أي تلغي أحكام أيات سابقة لها في ترتيب النزول‫.‫ بل قد وصلوا إلي حد القول أن الأحاديث أيضاً تنسخ ‫، ليس فقط بعضها البعض ولكن قد تنسخ ايات من القرأن ذاته‫.‫

والنسخ أنواع ‫، هناك من الأيات القرأنية ما نُسِخَ حُكمه مع بقاء منطوقه‫.‫ مثال ذلك ‫، عند من يقولون بهذا ‫، الأية الكريمة في سورة البقرة

‫‫{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ‫}

التي نسختها ‫، في قولهم ‫، أية سورة المائدة

‫{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ }

النوع الثاني هو ما نسخ منطوقه ‫، أي رُفِعَ من القرأن بالكامل ‫، ولكن بقي حكمه‫.‫ مثال ذلك حد الرجم للزاني المحصن والزانية المحصنة‫.‫ قيل انه كان أية قرأنية ثم رفعها الله نُطْقاّ ولكن بقيت حُكماً‫.‫

النوع الثالث هو ما نُسِخَ قولاً وحُكْماً وبالطبع لم يرد لنا منه شيئاّ‫.‫

من الأنواع الأخري نسخ الحديث لأيات القرأن ومثال ذلك زواج المتعة‫‫.‫

وتتعدد طرق النسخ وتزيد ‫، وقد وضع لها علماء السنة ضوابط وأصول‫.‫ وإختلفوا في عدد الأيات المنسوخة فمنهم من قال انها معدودة ومنهم من زاد ‫، حتي قيل أن أكثر من نصف أحكام القرأن منسوخة بل أن هناك من قال أن أية واحدة قد تنسخ أيات عدة‫.‫ علي سبيل المثال قيل أن بعضاً من أيات سورة التوبة ‫(‫المسماة أيضا سورة براءة‫)‫ المسماة خطأً بأيات السيف قد نسخت وحدها كل ايات محبة الأخر في القرأن ‫، بدعوي أنها نزلت في أخر الدعوة بعد أن قويت شوكة المسلمين وصارت لهم قوةً وهيبة ولم يعودوا بحاجة إلي ‫"‫تملق‫"‫ الأخرين‫.‫ وللقاريء المدقق أن يري خطورة هذا الرأي‫ ومدي تأثيره علي الفكر المتطرف الذي يُحَلِّل ذبح الأبرياء بإسم الدين‫.‫

فكر الناسخ والمنسوخ هو إذاً جد خطير‫.‫ ونحمد الله إذ نحمده علي أن بيننا ‫، وكان بيننا ‫، من العلماء الكبار من رفضوا هذا الفكر قلباً وقالباً ‫، نذكر منهم علي سبيل المثال لا الحصر الأستاذ الإمام محمد عبده وغيره الكثيرون‫.‫ وقد كتب حول هذا الموضوع عدد ليس بالقليل من العلماء والمفكرين ‫، مابين مؤيد ورافض ومُخَفِف‫.‫ فلن نتطرق إذاً إلي التفصيل في ذلك ‫، ولمن يريد أن يستزيد فإن من المصادر بالمكتبات والإنترنت ما يكفي‫.‫ هناك مثلاً هذا المقال الذي يشرح موضوع النسخ بإستفاضة.‫

نقول لن نتطرق إلي التفاصيل فإن ذلك مما يفتح أبواب وأبواب في تفسير القرأن وفهم أياته ‫، بل رأينا فقط أن ندرج هنا موقفنا من هذا الموضوع‫.

هناك تدرج في أحكام القرأن ولا شك‫.‫ ولكن التدرج لا يعني بالضرورة الإلغاء التام لنص أية من أيات التنزيل الحكيم‫.‫ فإذا نظرنا إلي الأية السابق ذكرها

{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ‫}

نزلت في وقتٍ لم تكن الخمر قد حرمت بعد ‫، وربما كان ذلك في طور إعداد المؤمنين الأوائل للتحريم ‫، ولكن هل معني ذلك أنها نُسِخَت بالكامل‫؟ أولاً هذه الأية ليست حكماً شرعياً ولكنها إقراراً لواقع‫ ‫، ألا وهو أن كلاً من الخمر والميسر لهم منافع وأثام والثانية أكبر من الأولي‫.‫ فكيف يتغير هذا الواقع أو يُلغي‫؟ تماماً كما نري أية

‫{ لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ‫}

وهي حكماً شرعياً واضحاً‫.‫ يقول دعاة النسخ أن هذه الأية تحلل الخمر فهي إذا منسوخة‫.‫ ولكن القاريء المدقق ‫، الغير متأثر بالمرويات ‫، يري جلياً أن هذه الأية لا تحلل شرب الخمر‫ بل تضع قاعدة هامة‫: أن الصلاة لا تجوز إن كان الإنسان لا يعي ما يقول ‫، وهو معني السكر‫.‫ قد يكون ذلك بسبب شرب الخمر أو غيره‫.‫ ولكن ألا يعني ذلك موافقة ضمنية علي شرب الخمر‫؟ بالطبع لا‫.‫ فشرب الخمر حرام بنص القرأن ولكن هل لا تجوز الصلاة علي شارب الخمر‫؟ هل من يشرب الخمر ‫، وهو حرام ‫، لا يستطيع الصلاة‫؟ الأية تقول أنه يستطيع بشرط أن يكون واعياً لما يقول ‫، والأفضل طبعاً ترك شرب الخمر بالكامل‫.‫ وقد تقدم بعض المفكرين بأن معني السكر هنا أشمل وأعم من مجرد السكر الناتج عن تناول المحرمات ‫، فالسكر ‫، لغةً ‫، هو إنعدام الوعي الذي قد يكون من مرض أو حتي من تعبٍ وإرهاق علاجه النوم‫.‫ ولكن ليس هذا موضوعنا ‫، النقطة أن الأية لم تنسخ ولا يزال حكمها واقعاً‫.‫

نقول هنا أنه قياساً علي ذلك فإن كل أيات القرأن غير منسوخة حتي وإن بدا تناقضاً ظاهرياً بينها.‫ من الممكن ‫، وقد قام بذلك البعض غير القليل من العلماء ‫، أن يجد الإنسان تفسيراً منطقياً مطابقاً لباقي القرأن لكل من أيات القرأن بلا تناقض!‏ لأن الله لا يغير رأيه ولا يناقض نفسه ومن غير المنطقي ‫، بل والمنافي تماماً للقدرة الإلهية المطلقة والعياذ بالله ‫، أن نقول أن إلهنا العظيم خالق كل شيء قد تنزل من عليائه وأرسل لنا رسالةً قيمةً أكثر من نصفها مُلغي!‏ ما هي الحكمة من ذلك‫؟

ما هو أصل الناسخ والمنسوخ إذاً‫؟

هو إبتداع من بعض العلماء الأوائل ‫(‫وبعض الصحابة طبقاً للمرويات ‫، إن صدقت‫)‫ أتوا به حين ظنوا وجود تناقضاً وتضارباً بين بعض أيات القرأن بعضها البعض ‫، فتفتق ذهنهم عن فكرة النسخ إنقاذاً لما رأوه إشكالية في القرأن ‫، في حين أن الإشكالية هي في فهمهم هم للقرأن‫.‫

ماذا عن أية سورة البقرة‫:

‫{ ما نَنْسَخُ مِن أيةٍ أو نُنْسِهَا نأتِ بخيرٍ مِنها أو مثلها الم تعلم أن الله علي كل شي قدير ‫}

الا تثبت هذه الأية وجود النسخ‫؟

تعود المشكلة إلي الخلط في فهم كلمة ‫"‫أية‫"‫‫ ذاتها.‫ الأصل اللغوي هو أن ‫"‫الأية‫"‫ هي من علامات الله ومُعْجِز خَلْقِه‫.‫ ولا شك أن نصوص القرأن لهي كذلك لذلك سميت ‫"‫أيات‫‫"‫.‫ ولكن القرأن نفسه يورد معاني أخري عديدة لكلمة أية ‫، منها مثلاً‫:

المعجزة
كقوله تعالى : ‫{ سل بني إسرئيل كم آتيناهم من آية بينة ‫}
العلامة
كقوله تعالى : ‫{ إن آية ملكـه أن يأتيكم التابوت ‫}
العبرة 
كقوله تعالى : ‫{ إن في ذلك لآية ‫.‫‫.‫‫.‫ ‫‫}
الدليل
كقوله تعالى : ‫{ ومن آياته خلق السموات والأرض ‫}

وكلها معاني قائمة علي المعني اللغوي الأصلي‫.‫ نقول أن المعني العام للكلمة أيضاً ينطبق علي الكتب والشرائع التي سبقت القرأن لأنها من أيات الله ‫، وهذا هو المعني في أية سورة البقرة حيث أن سياق السورة كلها يتحدث تحديداً عن اليهود وشريعتهم ولم يرد حول هذه الأية أي ذكر للقرأن نفسه أو نصوصه‫.‫ من هنا يصبح تفسير كلمة ‫"‫أية‫"‫ في هذا السياق علي أنها نص من نصوص القرأن إقحاماً علي المعني ما ليس به ‫، ولكن المعني الواضح في السياق هو أن القرأن نفسه ناسخ للكتب والشرائع السابقة ‫، خاصة أنه ‫، جل وعلي ‫، قال أيضا ‫"‫نُنسها‫"‫ ومن المعروف أن هناك من الشرائع والكتب السماوية ما نُسيَ ولم يصلنا منه شيئا ‫، كصحف إبراهيم مثلاً‫.‫ وقال أيضاً ‫"‫نأتي بخير منها أو مثلها‫"‫ ‫، وذلك ملائم للمعني حيث أن من المنطقي أن تكون الشريعة اللاحقة مصححة ومهيمنة علي ما سبقتها ‫، لا لأن الله يغير رأيه أو يحسن عمله ‫، سبحانه ‫، ولكن لأن الإنسان يتقدم في فكره ويتطور إلي الأفضل بمرور الزمن ‫، وهو العلة في تعدد الشرائع من الأصل‫.‫

كما قلنا ‫، قال بإنكار النسخ ‫، وهو موقفنا ‫، أكثر من واحد من العلماء والمفكرون ‫، ولذا هو ليس رأياً جديداً ‫، إنما أردنا فقط تثبيته هنا ‫، بإختصار ‫، حتي يتضح لقارئنا موقفنا من هذا‫.‫

اللهم أرنا الحق حقاً وأرزقنا إتباعه ‫، وأرنا الباطل باطلاً وأرزقنا إجتنابه

الأحد، 9 مايو 2010

زي المرأة في الإسلام



بقلم الأستاذ أحمد عقله (المصدر)‫

ملخص:

يوضح القرآن بجلاء شروط زي المرأة في الإسلام فالحجاب أو الخمار كما نعرفهما اليوم ليسا من القرآن في شئ بل هما من البدع والخرافات ونشئا من الجهل بتعاليم القرآن وأصول الدين, فالحجاب أو الخمار يعودان الي العبادات والتقاليد المتوارثة من المجتمعات القديمة والتي كانت موجودة قبل نزول القرآن سواء المجتمعات المتدينة أو المجتمعات الكافرة.

مقدمه:

وعدنا الله سبحانه وتعالي بأن لا يجعل علينا في الدين من حرج أو مشقه ، كما وعد أن يجعل الدين سلسا للمؤمنين ، عصيبا على الكافرين, وهذا الوعد بسهولة الدين إنما ينطبق فقط على الذين يستمعون الي الله سبحانه وتعالي في القرآن ويتبعونه دون تحريف او زيادة أو نقصان، أما هؤلاء الذين لا يجدون في كتاب الله ما يكفيهم فقد وعدهم الله بالضلالة والعسرة والظلام.

وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ) (الحج:78)

وليسهل الله سبحانه وتعالي الأمر لعباه المؤمنين فقد وضع عدة شروط في القرآن الكريم لهؤلاء العباد ليفهموا أمره وحكمه ، ورفض هذه الشروط كلها أو أي منها يمثل عصيان للخالق الكريم ورفضا لأوامره وأحكامه . وقبل أن نوضح زي المرأة في الإسلام كما يبينه القرآن نحب أن نذكر القارئ بهذه الشروط التي يشرحها الله سبحانه وتعالي في كتابه الكريم .
والإيمان بمثل هذه الشروط هو فرض أساسي لفهم ما قدمه القرآن من شروط لزي المرأة لمؤمنة المسلمة :
1) القرآن كتاب كامل وشامل وتام انظر الآيات 115،114،38،19 من سورة الأنعام و 45 من سورة ق

( وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) (الأنعام:115)

2) القران كتاب قيم عظيم كريم لا ترى فيه من تفاوت ولا يدخله الباطل من بين يديه أو من خلفه.

( لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) (فصلت:42)

( مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) (يوسف:40)

انظر ايضا الآيات (30: 30 ) و (30: 43) و (98: 9 )

3) القرآن كتاب مفصل ، فصلت آياته أحسن تفصيل فالله سبحانه وتعالي هو الذي سماه مفصلا وإذا كان الله قد فصل كتابه تفصيلا فلن يقبل لأي إنسان أن يحاول تفصيله من بعده.

( أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ) (الأنعام:114)

انظر ايضا (10: 37 ) ،(41: 3 ) ، (44: 1 ) ،(7: 52 ) و (12: 111 ).

4) لا يحتاج الله سبحانه وتعالي اية إضافة الي كتابه المفصل فالله يعلمنا في القرآن أنه لا تنقصه الكلمات ولا يخونه التعبير ولو أنه أراد أن يرسل لنا قرآنا أكبر من هذا القرآن ولو بآلاف المرات لفعل ذلك انظر (13: 109 ).
ولكن الله يشهد وشهادته الحق ، أن القرآن كامل بما يحتويه الآن من كل السور والآيات . وهذا معناه أننا لسنا في حاجة الي كتب أخرى.
5) يصف الله قرآنه بأنه أحسن الحديث ويطلب من المؤمنين حقا بأن لا يقبلوا أي حديث آخر بعد القرآن كمرجع لهذا الدين القيم .انظر (77: 50) ، (45: 6) ، (39: 23)، (31: 6 )، (7: 185 ). 

( أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ ) (لأعراف:185)

6) يحذر الله عباده المخلصين من الوقوع في الشرك باتباع مصادر للدين غير القرآن الكريم وخاصة ما يصدر من بعض العلماء والذي يخالف ما في القرآن ويضرب الله لنا مثلا باليهود والنصارى الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله . انظر( 9: 31)
7) يتهم الله سبحانه وتعالي هؤلاء الذين يحرمون ما لم يحرمه الله بالكذب والفسق والنفاق بالإضافة الي الشرك بغير الله وكما نعرف فإن ذنب الشرك بالله لا يغفر أبدا إذا مات الإنسان مشركا انظر (10: 59) ( 6: 119)( 7: 32) ( 9: 37) ( 5: 97)

( قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاماً وَحَلالاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ ) (يونس:59)

8) يؤكد القرآن في أكثر من آية أن النبي محمد يمثله القرآن ولا شئ سوى القرآن فهو خاتم الأنبياء كما يعلمنا القرآن ( 33: 40) فالنبي محمد لم يكتسب هذه المكانة لكونه محمد بن عبد الله ولكنه اكتسبها لأن الله كرمه بتبليغ آخر رسالات الله الي العالم ، الرسالة الكاملة ، التامة ، والمفصلة ، القرآن الكريم. فالإسلام هو دين من الله والى الله وعن الله وليس دينا عن النبي محمد الذي يذكرنا الله بأنه بشر مثل كل البشر حتى لا نقع في الخطأ الذي وقع به النصارى من تأليه وتعظيم لنبيهم عيسى عليه السلام. ويؤكد لنا القرآن أن وظيفة النبي محمد كانت أن يبلغ القرآن كاملا كما أوحى به الله اليه ، انظر (5: 99 و 100 ) ،( 13 : 40) و (42 : 48 ) وليس من مهمته أن يحرم أو يحلل ما لم يحرمه أو يحلله الله في القرآن وعندما حرم ما لم يحرمه الله ، عاتبه الله علنا ليؤكد لنا أن الله لا يتنازل عن أوامره في القرآن لأي إنسان حتى ولو كان نبيه ورسوله.

اقرأ المثال الذي ضربه الله لنا في سورة 66 :

( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) (التحريم:1)

هذه الآية تؤكد لنا أن أي تحريم أو تحليل لا يتفق مع القرآن إنما يمثل كذبا وافتراء على الله ورسوله ويجب أن يرفض من أي مؤمن بالله سبحانه وتعالي.
9) المؤمن الحقيقي يعرف معرفة اليقين أن ما يذكره الله في القرآن هو مقصود وأن ما يتركه الله ولا يذكره هو مقصود أيضا فالله جل جلاله لا ينسى ولا يتناسى ( انظر 19: 64) وهو الخبير العليم وليس لأي انسان أن يفترض أن الله نسى أمرا أو تناساه فيزيد هذا الأمر على القرآن أو يضيفه الي القوانين الكاملة في كتاب الله حتى لو ادعى ان الرسول هو الذي فعل ذلك فالرسول لم يبلغ الا القرآن ولم يستخدم الا القرآن وعندما توفاه الله ترك لنا كتابا واحدا مكتوبا وكاملا وهو القرآن الكريم. ولم تفعل كتب الأحاديث التي كتبها كتابها بعد وفاة الرسول, إلا أن زادت على القرآن الكريم ما لم يشرعه الله ورسوله وادعوا أنه من قول الرسول الذي عاش حياته كلها بالقرآن ولا شئ سوى القرآن بل إن الرسول الكريم أمرهم أن لا يكتبوا سوى القرآن ومات ولم يغير هذا الأمر.
10) يفهم المؤمنون أن الله كامل في كونه وأعماله وكذلك قرآنه فنحن لا يمكننا أن نحسن ما وصفه الله بأحسن الحديث أو أن نفصل ما وصفه الله بأنه مفصلا أو نعدل ما وصفه الله بأنه قيما لذلك فإن هؤلاء الذين لا يكفيهم حكم الله في القران انما هم الذين يصفهم الله بالشرك والنفاق . هؤلاء هم الذين يجدون في كل كتاب غير القرآن شرعهم ودينهم ومنهاجهم.
ويأمرنا الله جل جلاله بأن نراجع كل أمر ونتفحصه لنتأكد من صحته قبل أن نقبله:

( وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ) (الاسراء:36)

لذلك يجب على قارئ هذه المقالة أن يتأكد من أن كل أمر في هذه المقالة يعتمد على آيات الله في كتابه الكريم وعلى كل قارئ أن يراجع هذه الآيات بنفسه في القرآن الكريم

ثلاثة شروط لزي المرأة في الإسلام

الشرط الأول : في خير اللباس

( يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ) (لأعراف:26)
تحتوى هذه الآية على أهم الشروط في لباس المرأة وبدون هذا الشرط لا ينفع أية امرأة لباسها مهما كان هذا اللباس سواء كان هذا اللباس خيمة ، برقع أو جلباب.

الشرط الثاني : غطاء الصدر ( الجيب)

يوجد الشرط الثاني في الآية 24: 31 في هذه الآية يأمر الله المرأة بأن تغطى صدرها (الجيب) ولنراجع هذه الآية لنفهم الأمر الإلهي فيها.

كلمة الحجاب في القرآن

يستعمل كثير من المسلمين كلمة ( الحجاب ) لوصف ما يسمونه بالزي الإسلامي للمرأة , خاصة غطاء الرأس والذي يصفه البعض أيضا بأنه يجب أن يغطى العين اليسرى للمرأة تاركا لها العين اليمنى فقط لترى بها طريقها وأكثر المسلمين لا يعرفون أن كلمة الحجاب الموجودة في القرآن تتكرر سبع مرات وليس في هذه السبع مرات ولو مرة واحده استعملت كلمة الحجاب لتعنى زي المرأة و لباسها.

نبذة تاريخية عن الحجاب

بينا يدعي بعض المسلمين أن الحجاب هو زي إسلامي فإنهم يكشفون عن جهلهم بالقرآن والتاريخ, فالحجاب كزي للمرأة ليس له علاقة بالإسلام أو القرآن. فالحجاب أو الخمار يرجعان للحضارات الإنسانية القديمة قبل الإسلام والدارس للفن الروماني والاغريقي سوف يجد الحجاب أو الخمار في الآثار الفنيه من رسم وتماثيل وقوانين وضعيه . ففي العصر الروماني والإغريقي كان كلا من الرجال والنساء يلبسون غطاء للرأس في احتفالاتهم الدينية . من هذه العادات أخذ اليهود عادة غطاء الرأس للرجال والنساء وكتبوها في التلمود مدعيين أن هذه قوانين من عند الله وكلنا نعرف أن التلمود لليهود هو كمثل الحديث والسنه عند المسلمين ، فكلها قوانين مكتوبة بأشخاص عاشوا بعد وفاة الأنبياء وادعوا أنها من عند الله برغم عدم وجود هذه القوانين في الكتب السماوية وبعد اليهود استمر النصارى في عادة تغطية الرأس. وانه لمن المهم أن نذكر القارئ بما أ كده أحد الحاخامات اليهود من أن التوراة نفسها ليس بها أمر واحد للمرأة بتغطية الرأس ولكنه يوجد في التلمود ، والتلمود هو الكتاب الذي كتبه الحاخامات بعد وفاة أنبياء بنى اسرائيل وما زال الحاخامات يشجعون المرأة اليهودية على تغطية رأسها في المعابد اليهودية ، ومثلهم يشجع القساوسة المرأة المسيحية على تغطية رأسها, بناء على العادات التي ورثوها من اليهود وليس بناء على القوانين الالهيه ..
وكما نتوقع , فإن قدماء العرب سواء كانوا يهودا أو نصارى أو مسلمين غطوا رؤوسهم نتيجة للعادات المتوارثة وليس نتيجة للدين الإلهي في التوراة والإنجيل والقرآن وكما نعرف كلنا فإن كثيرا من الرجال في منطقة الجزيرة العربية ما زالوا يغطون رؤوسهم كجزء من العادات القبليه المتوارثة وكذلك تفعل النساء, وهذه العادات كانت أهم منها في المناطق الصحراوية عن مناطق الحضر حيث يلزم غطاء الرأس وأحيانا الوجه لتجنب لفحة الشمس وعواصف الرمال المتكررة حتى أصبح غطاء الرأس عادة من العادات العربية وليس له أساس إسلامي أو عقائدي.
باختصار ، الحجاب عبارة عن زي تقليدي متوارث من قبل زمن القرآن الكريم ولم ينزل به أي قانون الهى في التوراة أو الإنجيل أو القرآن وفي بعض الأماكن في العالم فإن الرجال هم الذين يرتدون الحجاب بينما النساء من نفس القبيلة لا يرتدون الحجاب كم نرى في قبائل الطوارق في شمال افريقيا .
وإنه من أخطر الأمور أن نخلط بين العادات والتقاليد وبين ما يأمرنا الله به في كتبه الكريمة لأن الإدعاء بأن أي عادة من العادات هي من عند الله هو إدعاء كاذب يماثل الشرك بالله والكذب في حقه جل جلاله, تعالي عن كل إدعاء كاذب.

( فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ ) (يونس:17)

وعندما تصبح العادات والتقاليد أهم عند الناس من قوانين الله سبحانه وتعالي في القرآن يصبح الدين فاسدا ويفشلوا وتذهب ريحهم ويختفي النصر الذي وعده الله عباده ويحل محله الهزيمة والخسران.

كلمة الخمار في القرآن

توجد كلمة الخمار في سورة النور في الآية 31 وهى الآية التي يشير اليها بعض المسلمين على أنها تحتوى على الأمر بغطاء الرأس والوجه ولكن بعد دراسة هذه الآية الصريحة سنجد أنها لا تحتوى إلا على الأمر بأن تستعمل المرأة ما تلبسه لتغطى فتحة الصدر وهى ما تعرف في العربية "بالجيب" وليس في الايه أية أوامر أكثر من هذا. فنحن لا نجد حتى ولو مجرد ذكر لكلمة رأس ، شعر أو وجه في هذه الآية ويجب أن نعرف أن الله سبحانه وتعالي استعمل هذه الكلمات الثلاثة في القرآن في أكثر من آيه ولكنه لم يذكرهم في الآية 31 من سورة النور ليس لأنه ينسى ، استغفر الله, بل لأنه سبحانه وتعالي يأمر ما يريد أن يأمر به بدون زيادة أو نقصان .
ولقد ادعى المسلمون أن كلمة خمار في هذه الايه في قوله تعالي ( وليضربن بخمرهن ) هو غطاء الرأس متناسين في ذلك المعنى الصريح لكلمة خمار وهى غطاء ، أى غطاء, وهو نفس السبب لإستعمال كلمة خمر للإشارة الي المشروبات الروحيه التي تفرض غطاء من سوء الحكم والفهم على شاربها .وبينما أمر الله المرأة بأن تغطى صدرها بردائها الذي ترتديه ادعى كاتبوا التفاسير أن الله يقصد للمرأة أن تغطى رأسها ووجهها وكأن الله كان في حاجة اليهم, استغفر الله, ليبينوا مالم يبينه الله بل وصل بهم الأمر أن يدعوا أن كلمة خمار وهى تعنى غطاء إنما تعنى فقط غطاء الرأس وهو أمر خطأ لغويا ودينيا ودنيويا .، فغطاء المائدة هو خمار وغطاء النافذة هو خمار وغطاء السرير هو خمار وجلباب المرأة هو خمار . ولو أراد الله أن يأمر المرأة بأن تغطى رأسها أو وجهها أو شعرها لفعل ذلك فإنه جل وتعالي أعظم من أن يترك أمرا من أوامره للبشر ليصدروها أو يغيروها .

وإذا قرأنا حتى آخر الآية 31 " ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن " لأيقنا أن طريقة مشى المرأة وضربها بأرجلها لا تؤدى الي ظهور شعرها أو وجهها ولكن الي مبالغة واهتزاز أجزاء من جسمها يعتبرها الرجل من زينة المرأة التي تثير غريزته, الأجزاء التي تختفي تحت ردائها.

ولاشك أن الله في رحمته الواسعة أمر المرأة أن تغطى من زينتها ما ليس من الضروري كشفه ولكنه لم يحدد نوعية ومقدار هذه الزينة ولم يذكر اسماء هذه الأجزاء من الزينة رغم علمه بكل أجزاء جسم المرأة لأن المكان والزمان والموقف لكل إمرأه مسلمة يختلف عن غيرها, والمرأة في حكم فهمها للدين وظروفها عليها أن تختار ما تعتبره مناسبا يرضى ضميرها ودينها وربها ، محافظه ، معتدلة ، وصالحه في اختيارها لما يناسب وضعها ، غير كاشفة عما لا تحتاج كشفه.
بعد الأمر الإلهي في الآية 31 لا يستطيع أى إنسان مهما كان فكر ه أن يطيع الا ما أمر الله به أو ينهى الا ما ينهى عنه الله ولو فعل غير لدل ذلك على كفره وعصيانه وفشله في اتباع القرآن ذلك الكتاب الكامل المفصل .
لذلك يعتبر اتباع أوامر أى إنسان غير موجود في القرآن شرك صريح بالله سبحانه وتعالي.
والمرأة التي تلبس الحجاب لأنه من ضمن عادات قومها أو مجتمعها لم ترتكب أى خطأ طالما فهمت أن لبس الحجاب ليس فرض من الله سبحانه وتعالي .. ولكن المرأة التي تلبس الحجاب وتدعوا اليه معتقدة أن الله أمر به إنما ترتكب ذنبا لا يغفر لأنها أشركت في حكم الله أناسا فرضوا قوانين لم يأت بها الله ولا رسوله الكريم وضللت من رسالة القرآن وطريقه المستقيم ..
وعلى هؤلاء مسئولية دراسة الأمر في القرآن ليتدبروا آياته ويعلموا الحق من أحسن الحديث من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة.

الشرط الثالث في : ليدنين عليهن من جلابيبهن

ويوجد هذا الشرط واضحا صريحا في الآية 59 من سورة الأحزاب

( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ) (الأحزاب:59)

وفي هذه الآية يأمر الله زوجات النبي وبناته ونساء المؤمنين أن يدنين عليهن من جلابيبهن بمعنى أن يرتدوا من ملابسهن ما هو طويل بما فيه الكفاية والتعبير أيضا كما تعمده الله لا يحدد مدى هذا الطول هل هو الي الكعبين أو الي الركبة أو بينهما والله لم يحدد هذا الطول الا لسبب واحد هو أن يعطى المرأة المؤمنة كامل الحرية في تحديد ما تعتبره طولا مناسبا في المكان الذي تعيش فيه ، ثقة من الله في حسن حكم المرأة المؤمنة التي تختار ثيابها وهدفها الكمال والجمال والتقوى كما علمها الله في كتابه الكريم, والله في رحمته يعلم أن ما يعتبر مناسبا في دمشق قد يعتبر فاضحا في الرياض وما يعتبر معتدلا في لندن قد يعتبر خليعا في الخرطوم ولذلك لم يصدر له حكما واحدا لا يراعى فيه المكان أو الزمان وهو أعلم بعباده وهو أرحم الراحمين ولأن الله لم يحدد هذا الطول أو شكل هذا الجلباب فإنه ليس بالإمكان أي من البشر أن يعدل ما حكم الله به أو أن يغيره و يحدده بفهمه القاصر على ظروف معيشته و مكانه أو زمانه ونحن لسنا أكثر حكمة من الله أو أعلم منه بعباده.

لا جناح على المرأة

وحين يصبح لا جناح على المرأة في إظهار بعض من زينتها في حضور أفراد العائلة سمح الله للمرأة الا تتقيد بالشروط السابقة ولكن في حدود المعقول وما يسمح به الأدب والاحترام للمحيطين بها.

( لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلا أَبْنَائِهِنَّ وَلا إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلا نِسَائِهِنَّ وَلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً ) (الأحزاب:55)

( وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (النور:60) 

خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ

( يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (لأعراف:31) 

ما جعل عليكم في الدين من حرج

لقد كانت سنة الله لخلقه ألا يجعل الدين عليهم صعبا طالما سمعوا لكلماته واتبعوا هداه وتدبروا كتابه أما هؤلاء الذين لا يكفيهم كتاب الله الكامل الشامل التام فقد فرض لهم أن يخرجوا من رحمته ونصره وعزه ليقعوا فريسة للشيطان فيجعل حياتهم صعبه تعيسة ومعقده غير ما ينتظرهم من عذاب أليم في الآخرة . فالله سبحانه وتعالي لم يأمرنا إلا بما يريدنا أن نفعل ولم يذكر أية من الأمور الآخرى التي لا تؤدى الي هدانا في هذه الحياة أو نجاتنا في الآخرة . فالله على سبيل المثال لم يأمرنا أن ننام على الجانب اليمين أو اليسار أو كيف ندخل بيوتنا بالقدم اليمنى أو اليسرى أو كيف نتصرف لو سقطت ذبابة في الطعام أو ماذا نقول قبل الجماع, وغيرها من الأمور الدنيويه لأن هذه الأمور متروكة لنا لنتصرف فيها حسب فهمنا وظروفنا طالما طبقنا القرآن الكريم الذي يأمرنا أن نذكر الله ذكرا كثيرا ونسبحه بكرة وأصيلا , ولأن الله بعلمه الواسع عر ف أن معظم هذه الأمور الدنيوية لا أهمية لها في التقوى فإنه لم يصدر في شأنها أوامر وهذا ما أثار الفزع في هؤلاء الذين لا يجدون في كتاب الله كل ما يعنيهم سواء كان ذلك يعنى الله جل جلاله أم لا يعنيه , فأضافوا الي كتاب الله كتب عديدة يدعون فيها أن الله يريد الناس أن تفعل هذا وذاك في كل صغيرة وكبيرة من الأمور التي لا علاقة لها بالإيمان والتقوى ووقعوا في الشرك والظلمة والخسران

( أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) (العنكبوت:51)

ويذكرنا الله أن هؤلاء الذين لم يكفهم كتابه سوف يأتون يوم القيامة منكرين لشركهم

وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمْ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ (22) ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (23) انظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (24) ( الأنعام:22-24)

بل يعلمنا الله أن الرسول سيشتكى من المسلمين يوم القيامة وشكوته هي الحق لأنها مؤكدة في كتاب الله وعلى كل مؤمن أن يعرفها حتى يتجنبها

وَقَالَ الرَّسُولُ يَارَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا (الفرقان:30) 

الاستنتاج:

وضع الله ثلاثة شروط لزي المرأة في الإسلام من خلال أوامره الربانية في القرآن الكريم.
1) خير اللباس التقوى
2) على المرأة أن تغطى صدرها بردائها.
3) على المرأة أن تدنى عليها جلبابها بمعنى أن يكون
رداءها طويلا بما فيه الكفاية ليعطيها احترام من حولها.
وسمح الله للمرأة أن تتصرف بحرية كاملة في تغطية ما تعتبره زينة داخليه وأن تكشف فقط عما تعتبره لزوم الأمر والموقف. حيث تتصرف في وجود زوجها واهلها بحرية أكثر من حالة وجود غرباء عنها. لم يأمر الله في القرآن بأن ترتدى المرأة لحجاب أو الخمار الذي توارثه الناس من قبل القرآن وعلى هؤلاء الذين يرتدونه أن يعرفون أنه من عادات قومهم وليس من الدين في شئ.
والله دائما كاف عبده المؤمن ولكنه غير كاف للمشركين بالله الذين لا يجدون في هذه الشروط الثلاثة المفصلة في القرآن ما يكفيهم فأضافوا اليها من كل كتاب يجدونه حتى أصدروا حكمهم المخالف لحكم الله بما فيه من تغطية الرأس والشعر والوجه وحتى تحكموا في ألوان الملابس وكونها ونوعها وحجمها وطولها وكأن الله الحكيم العليم قد نسى هذه الأمور ، استغفر الله.
لقد أعطى الله سبحانه وتعالي للمرأة المسلمة ثلاثة شروط سهلة التنفيذ في القرآن ، ثقة منه, ورحمة بها وتخفيفا عليها ولكن العادات والتقاليد أفسدت هذه الشروط الربانية وحاولت أن تتغلب على الأوامر الإلهية وتلغيها ولكن الله ورسوله تركوا لنا كتابا فيه كل ما يريد الله منا، فيه هدى ورحمة للذين يتبعونه وفيه الدين قيما به نهتدى ومنه نقتدى واليه نرجع أمورنا والله على ما أقول شهيد

السبت، 1 مايو 2010

هل تحب الرسول أكثر من أبوك وأمك؟

إنتشرت في الأونة الأخيرة مقولات من نوعية
"بأبي أنت وأمي يا رسول الله"‫
وما شابه. وفي العادة تصدر هذه الكلمات في سياق الدفاع عن رسول الله أمام هجمات غير المسلمين ، سواءاً الحقيقية منها او المتصورة. 

وقد دار مؤخرا حوار بيني وبين صديق عزيز علي الفيسبوك أخبرته فيه أنني لا أحب رسول الله أكثر من أبي وأمي وأهلي. تعجب الصديق من هذا الإعتراف وأمطرني بوابل من الأدلة علي أن حب رسول الله أكثر من اي شخص أخر هو من اساسيات الإيمان في العقيدة الإسلامية. فكان مما تلاه علي هذه الأية الكريمة في سورة التوبة:

قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ }

وقد يظهر للقاريء العابر أن هذه الأية بالفعل تحذرنا من مغبة عدم حب الرسول أكثر من أهلنا ، وهذا الفهم ، للأسف ، لهو من جراء عادتنا السيئة بإقتطاع الأيات من سياقها. تقول الأيات كاملةً:

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إِنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ، قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ، لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ، ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ ، ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَن يَشَاء وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

الملاحظ من السياق أن الحديث هنا حول المسلمين الذين رفضوا الهجرة مع الرسول والقتال في سبيل الله رغبة في البقاء مع أهلهم الذين ظلوا علي شركهم وتجارتهم ومساكنهم في مكة ، وقد أورد الطبري في تفسيره:

يقول تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله: لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم بطانة وأصدقاء تفشون إليهم أسراركم وتطلعونهم على عورة الإسلام وأهله، وتؤثرون المكث بين أظهرهم على الهجرة إلى دار الإسلام. { إنِ اسْتَحَبُّوا الكُفْرَ على الإيمَانِ } يقول: إن اختاروا الكفر بالله على التصديق به والإقرار بتوحيده. { وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ } يقول: ومن يتخذهم منكم بطانة من دون المؤمنين، ويؤثر المقام معهم على الهجرة إلى رسول الله ودار الإسلام { فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } يقول: فالذين يفعلون ذلك منكم هم الذين خالفوا أمر الله، فوضعوا الولاية في غير موضعها وعصوا الله في أمره. وقيل: إن ذلك نزل نهياً من الله المؤمنين عن موالاة أقربائهم الذين لم يهاجروا من أرض الشرك إلى دار الإسلام.‫
يقول تبارك وتعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد للمتخلفين عن الهجرة إلى دار الإسلام المقيمين بدار الشرك: إن كان المقام مع آبائكم وأبنائكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم، وكانت { أمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا } يقول: اكتسبتموها، { وتِجارَةٌ تَخْشَوْن كَسادَها } بفراقكم بلدكم، { وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها } فسكنتموها { أحَبّ إليكُم } من الهجرة إلى الله ورسوله من دار الشرك ومن جهاد في سبيله، يعني في نصرة دين الله الذي ارتضاه. { فَترَبَّصُوا } يقول: فتنظَّروا، { حتى يَأْتيَ اللَّهُ بأمْرِهِ } حتى يأتي الله بفتح مكة. { وَاللَّهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الفاسِقِينَ } يقول: والله لا يوفق للخير الخارجين عن طاعته وفي معصيته

إنتهي النقل

معني الأية إذا واضح ولا يصح تعميم المعني علي طريقة عموم اللفظ وليس خصوص المعني لأن الله جل وعلا يقول ما يَقصِد ويَقصِد ما يقول ، سبحانه.‫

أضف إلي هذا الأيات القرأنية التي توضح مكانة الوالدين عند المسلم ، وتضع بر الوالدين والإحسان إليهم ، بل وحبهم ، في المرتبة الثانية بعد عبادة الله إذ يقول سبحانه في سورة البقرة:

وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحساناً وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسناً وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة }

وغيرها من الأيات التي تضع مكانة الأبوين بمرتبة مرتفعة تعلو علي الصلاة والزكاة.‫

ومما يُذكر هنا أن بعضا من الأحاديث الشريفة المروية عن رسول الله صلي الله عليه وسلم ورد بها بالفعل ذكر وجوب حب المسلم للرسول أكثر من أبويه وأهليه ، منها مثلا:

 لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين }

 ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار }

لا يؤمن عبد وفي حديث عبد الوارث الرجل حتى أكون أحب إليه من أهله وماله والناس أجمعين }

أجد دائما صعوبة في التعامل مع الأحاديث الشريفة بصورة قطعية لأسباب عدة ، منها مثلا أن الأحاديث المروية في الكتب الصحاح وغيرها تغلب عليها رواية الخبر الواحد ، أي أنها احاديث احاد كما تسمي ، ومن الأراء الرشيدة في علم الحديث أن الأحاديث الأحاد غير ملزمة للمسلم من الأصل لظنية ثبوتها عن الرسول عليه الصلاة والسلام ( مصدر ).‫
السبب الثاني هو سياق الحديث الذي غالبا ما يغلب عليه الغموض ، فلا نعرف في اي المناسبات قيل وما كان قبله وماجاء بعده ، تماما كالأية المقتطعة من سياقها ، ومن هنا يضطر الإنسان أن يأخذ بالمعني الظاهر للحديث الذي قد يكون مختلفا تماما عن المعني الأصلي في سياقه. ولا يظهر لنا أيضا هل الحديث هنا وحياً من الله أم أنه رأياً بشرياً من الرسول أو إقراراً لنتيجة وليس فرضاً.‫
بالإضافة إلي ذلك نتساءل: ماهو الإيمان المقصود هنا؟ هو بالطبع الإيمان بالله ورسله وأنبياءه وملائكته واليوم الأخر. ما علاقة هذا بحب الرسول بشخصه؟ نَجِل رسولنا بالطبع ونقدره ونصلي ونسلم عليه عملا بالأمر الإلهي ، بل ونحبه أيضا ، ولكن أكثر من أهلنا؟ هذا من شروط الإيمان بالله؟ أين المنطق في هذا؟

أضف إلي ذلك أن موضوع علاقة الإيمان بالحب في القرأن واضح ، علي سبيل المثال يقول الله تعالي في صورة البقرة:

 وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ }

الأية توضح أن حب الله هو من نتائج الإيمان ، وليس من شروطه ، ولا تذكر أيات الإيمان حب الرسول علي الإطلاق.‫

وفي النهاية نتساءل: هل يأمرنا الله ويفرض علينا ما ليس بإستطاعتنا؟ نقول أن عقلاً ومنطقاً هذا مستحيل ، فالحب ليس قراراً إرادياً ياخذه الإنسان حتي يفرضه الله علينا. حتي حب الله ليس أمراً ولكن نتيجةً للإيمان كما أوردنا أعلاه. وبالإضافة إلي العقل والمنطق يؤكد القرأن ذات المعني في قوله تعالي في سورة البقرة:

لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ }

أنا مسلم ، موحد ، أؤمن بالله ورسله وأنبياءه وملائكته واليوم الأخر إيماناً غيبياً قاطعاً ، أحب الله نتيجة إيماني حباً يختلف في كنهه عن حب البشر ولا يقارن به ، أحب رسوله الذي كان { عَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ } ، ولكني لا أحبه - صلي الله عليه وسلم - أكثر من أبي وأمي وزوجي وأبنائي ، ولا أري في ذلك غضاضة تنقص من إيماني أو تقلل من إسلامي.‫

اللهم أرنا الحق حقاً وأرزقنا إتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وأرزقنا إجتنابه